Wednesday, December 31, 2008

حواب سؤال عن حقيقة الإنقلاب في غينيا

بتاريخ 23/12/2008 أعلن في كونكري عاصمة غينيا عن قيام وحدات عسكرية بالتمرد، وذلك من بعد الاعلان عن وفاة رئيس الجمهورية الغينية الجنرال لانسا كونتي بأربع ساعات. وفي اليوم التالي أعلن الانقلابيون عن تشكيل مجلس استشاري تحت اسم "المجلس القومي للتنمية والديمقراطية". وأعلن عن تعيين العسكري الذي أذاع بيان الانقلابيين في اليوم الأول عن طريق الإذاعة الرسمية للبلاد وهو النقيب موسى كامارا رئيسا لهذا المجلس. وقد عارض الانقلاب في بدايته رئيس مجلس الوزراء، وأيد قائد القوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء ودعا الانقلابيين للولاء للحكومة... ولكن رئيس مجلس الوزراء عاد واستسلم للانقلابيين بعد أقل من ثلاثة أيام!
فما حقيقة الأمر؟ وهل ما حدث هو أمر محلي استغل الانقلابيون فيه موت رئيس الجمهورية، أو هو حدث إقليمي أو دولي؟
الجواب:
إن تتبع ما جرى، وكذلك المواقف الدولية التي أُعلنت تجاه الانقلاب، كلها تبين أن الصراع الدولي حول إفريقيا ليس بعيداً عن أحداث الانقلاب، ولتوضيح ذلك نذكر ما يلي:
1- لقد أعلن رئيس الانقلاب النقيب موسى كامارا باسم الانقلابيين أنهم "لا ينوون الاستمرار في الحكم اكثر من عامين الى حين اجراء انتخابات رئاسية في نهاية عام 2010.( الاذاعة البريطانية 24/12/2008)، كما ذكر أن الأسباب الموجبة للانقلاب، هي، كما قال،"إن مؤسسات الجمهورية اظهرت عجزها عن مواجهة الازمة القائمة في البلاد، ومنذ اليوم سيتم وقف العمل بالدستور ووقف الانشطة السياسية والنقابية". وأضاف: "بان البلاد تعيش في حالة من اليأس الشديد وكان لا بد من عمل شيئ لوقف الفساد وتحسين الاقتصاد".(الاذاعة البريطانية 24/12/2008)، وهذا يدل على ان الانقلاب قد خطط له من قبل ولم يكن وليد الساعات الأربع بعد وفاة الرئيس، ولا هو ردة فعل لموت رئيس البلاد. سيما وان هذا النقيب الذي قاد التمرد الاخير قاد اكثر من تمرد وكان اخرها في شهر ايار الماضي من هذه السنة.
2- أما ردود الفعل الدولية فجاءت اولا من فرنسا التي تعد صاحبة النفوذ في غينيا مستعمرتها السابقة: "قالت فرنسا انها ستقاوم اي محاولة انقلاب".(الاذاعة البريطانية 23/12/2008)، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إيريك شيفالييه في مؤتمر صحفي:" لن نقبل بأي وضع لا يحترم الدستور". وأضاف:" يبدو ان السلطات الشرعية تسيطر على الوضع في البلاد حاليا، لدينا ادعاء ويبدو ان الحقائق لا تسانده"( الجزيرة 23/12/2008). ويظهر من هذه التصريحات أن فرنسا متخوفة من نجاح الانقلابيين وهي ترفض حركتهم، وقالت انها ستقاومها! وقد هاجمت الصحف الفرنسية الانقلابيين وواصلت انتقاداتها لهم، بل أن بعضها سخرت منهم كما فعلت ليفغارو حيث قالت " ان العساكر الغينيين الذين يجوبون مدينة كوناكري وضعوا على رأس بلدهم رائدا غامضا كان رئيس قسم المحروقات"!
3- وأما الولايات المتحدة الامريكية فقد أعلن المتحدث باسم البيت الابيض توني فراتو:" نحن نعمل مع شركائنا في المنطقة والدول الاخرى والاتحاد الافريقي من أجل تشجيع المؤسسات في غينيا لاتخاذ كافة الخطوات اللازمة من أجل ارساء انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة في غينيا". وأضاف: "من الواضح أن المنطقة مضطربة وتاريخها لم ير في الغالب هذا النوع من الانتقال السلمي والديمقراطي للسلطة."(الجزيرة 23/12/2004). وهذا يدل على ان قول الولايات المتحدة بانها مع انتقال السلطة بشكل سلمي وديمقراطي قول كاذب للاستهلاك الديمقراطي، لأنها تقول في الوقت نفسه بان المنطقة لا تعرف انتقال السلطة بالاسلوب السلمي والديمقراطي! فلا تبقي إذن غير طريق الانقلابات العسكرية التي طالما طبقتها الولايات المتحدة في توصيل عملائها إلى السلطة...!
كما أن التصريح يدل على أن أمريكا راضية عما جرى وتسنده ضمنيا. ولكنها لا تستطيع ان تسند الانقلابيين علنا بسبب تشدقها بالديمقراطية وبالوسائل السلمية، ومعلوم أن لا قيمة لهذه الأمور عندها إلا إذا حققت لها مصالحها.
ويؤكد رضى أمريكا على الانقلاب وإسنادها الضمني له، ما صرح به المتحدث باسم الخارجية الأمريكية روبرت وود، فقد ذكر لإذاعة "سوا" الأمريكية "بان الولايات المتحدة تريد أن تعود غينيا فورا إلى الحكم المدني الديمقراطي. وقال أن واشنطن مستاءة من عدم وجود عنصر مدني في عملية انتقال السلطة في غينيا في هذه المرحلة. وقال أن الولايات المتحدة لم تتخذ قرارا بعد بشأن الانقلاب في غينيا وهي تتشاور مع حلفائها في مسعى لاتخاذ موقف منسق".( صفحة المحيط 25/12/2008). وتدل كلمات هذا المتحدث الرسمي الأمريكي على أن أمريكا ليست ضد الانقلاب، وهي ضمنيا تؤيده، وذلك لأنه قال إن أمريكا مستاءة من عدم وجود عنصر مدني في عملية انتقال السلطة ولم يقل أنها مستاءة من الانقلاب، وأيضاً فإن قوله إن بلده لم تتخذ قرارا بعدُ يعني موافقتها على الانقلاب ولكنها تنتظر الوقت المناسب للإعلان الصريح عن ذلك، ولو كان الانقلاب ليس في صالحها لأقامت الدنيا ولم تقعدها على الانقلابيين كما تفعل مع كثير من الانقلابات التي لا توافق مصالحها. يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة قد طلبت إجراء انتخابات في شهر أيار/مايو القادم. (الجزيرة 26/12/2008)، وهذا يظهر التأييد الأمريكي الضمني للانقلاب.
4- أما بريطانيا، فقد قال تعليق الإذاعة البريطانية في 24/12/2008، وهي تنقل الخبر، قال التعليق:" أن الانقسام ( في الجيش الغيني) ربما يكون له عواقب وخيمة بالنظر الى الانقسامات العرقية في الجيش وفي البلاد". وأضافت الإذاعة: "أن الانقسامات ستؤثر على دول الجوار من سيراليون وليبيريا وساحل العاج". وأضافت أيضا: "ويؤكد المراقبون أيضا ان هناك مخاوف من ان تؤثر هذه التطورات في غينيا على الاوضاع في غرب افريقيا حيث تمتعت الدول المجاورة مثل ليبريا وسيراليون وساحل العاج مؤخرا باستقرار نسبي بعد سنوات من الصراع". وغمزت برئيس الانقلاب ناقلةً أن رفاقه قالوا عنه " إنه لم يكن طالبا نجيبا". وهذا يدل على ان الانكليز غير راضين عن الانقلاب، وأنهم يدركون بان الانقلاب ليس في صالحهم، وان تغييرا سيحدث في المنطقة، وأن هذا التغيير ليس لصالح النفوذ الأوروبي، وإلا لما قالوا إن الانقلاب له عواقب وخيمة، وإنه سيؤثر على دول الجوار...
5- وفي ساعة متأخرة من ليلة الاربعاء 24/12/2008 اعلن قائد المتمردين موسى كامارا نفسه رئيسا للبلاد فقال:" انا مقتنع، واريد التأكيد على انني رئيس الجمهورية وقائد المجلس الوطني للديمقراطية والتنمية". ورد عليه رئيس الوزراء احمد تيجان سواري بتصريح لراديو فرنسا الدولي قائلا بان حكومته لا تزال موجودة وستظل كذلك خلال الفترة الانتقالية.( الجزيرة 25/12/2008) وذكر المصدر نفسه أن قائد الاركان للقوات المسلحة ديارا كامارا سعى للتحاور مع المتمردين لاقناعهم بالتزام القواعد الدستورية التي تنص على ان يصبح رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) رئيسا مؤقتا للبلاد. فيدل ذلك على أن هناك طرفين مختلفين او متصارعين؛ أحدهما مكون من عسكريين بزعامة موسى كامارا، والآخر بزعامة رئيس القوات المسلحة ومعه الحكومة والبرلمان. وقد اسرع قائد الانقلابيين باعلان نفسه رئيسا للجمهورية ليثبِّت سلطته ويمنع غيره من ان يعلن نفسه رئيسا للجمهورية كرئيس القوات المسلحة مثلا، وليمنع تعيين رئيس البرلمان من ان يصبح رئيسا مؤقتا. والجدير بالذكر ان الرئيس المتوفي لانسا كونتي قد سيطر على الحكم بانقلاب عسكري عام 1984 بعد وفاة الرئيس احمد سكيوتوري السابق بأسبوع.
6- من كل ما سبق يتبين:
أن ما حدث هو داخلٌ ضمنَ صراعٍ دولي، بين أمريكا من جهة، وبين أوروبا "فرنسا وبريطانيا" وبخاصة فرنسا من جهة أخرى، وأن الولايات المتحدة هي وراء الانقلابيين، وأنها تسندهم، وأن فرنسا وبريطانيا ضد الانقلاب، وأنه سيتهدد نفوذهما في غرب أفريقيا إذا نجحت أمريكا في غينيا كونكري.
7- هذا عن كون ما حدث واقعاً في دائرة الصراع الدولي.
أما عن استسلام رئيس الوزراء لرئيس الانقلابيين بعد أن كان ضده، فإن حقيقة الأمر كالتالي:
أ- نعم، لقد قام رئيس الوزراء أحمد تيجان سواري ومعه 30 وزيرا بالاستسلام للانقلابيين واعلن ولاءه لقائدهم قائلا له: " نشكرك ونضع أنفسنا تحت تصرفك".(الجزيرة 26/12/2008) وقد مدحه واصفا إياه بالحكيم.( سي.إن.إن الامريكية 26/12/2008) وكان رئيس الوزراء أحمد سواري قد عارض الانقلابيين في البداية. وقد كان قائد القوات المسلحة ديارا كامارا يؤيد رئيس الوزراء ويعتبره هو الذي يمثل البلاد حاليا ويطلب من المتمردين الاستسلام، وكون رئيس الوزراء قد استسلم، فإن هذا يدل على ان الانقلابيين قد نجحوا في مسك زمام الامور.
ب- هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنه يدل على أن فرنسا وبريطانيا قد أدركتا أن الانقلاب قد نجح أو كاد، وأن معارضته لن تجدي نفعاً، وأنهما آثرا قبول الفتات من أمريكا مقابل الإيعاز لرئيس الوزراء وقائد الجيش بالاستسلام للانقلابيين وكأنَّ فرنسا وبريطانيا قد حصلتا من أمريكا على الحفاظ على بعض مصالحهما في غينيا مع بقاء مصالح أمريكا في الصدارة في ذلك البلد، وهكذا كان الاستسلام.
8- ومن المعروف ان بوش في زيارته الاخيرة في شهر شباط/فبراير الماضي من هذه السنة قد زار خمس دول في افريقيا منها دولا، وبعضها في غرب افريقيا، ما يدل على ان امريكا تعطي اولوية لغرب افريقيا في محاولة لبسط نفوذها في كامل بلدان افريقيا من غربها الى شرقها ومن شمالها الى جنوبها. ونذكِّر بتصريح بوش قبل تحركه الى هناك حيث قال:" ان افريقيا في غاية الاهمية بالنسبة للاستراتيجية الامريكية، وان الوضع الافريقي يحدث تأثيرا مباشرا في الامن الامريكي ذاته."( صحيفة الشعب الصينية في 25/2/2008)، فجعل افريقيا قضية مصيرية بالنسبة للولايات المتحدة حيث ذكر انها تؤثر على امن امريكا بشكل مباشر! وكأنه يريد ان يجعل ضفة الاطلسي الشرقية الجنوبية، أي غرب افريقيا، وما وراءه نحو الشرق، يجعل ذلك مسألة امريكية داخلية خاصة بامريكا على غرار مبدأ مونرو الذي جعل ضفة الاطلسي الغربية قضية مصيرية للولايات المتحدة، وان اي تعدٍ عليها هو تعدٍ مباشر على الولايات المتحدة. وموقف بوش هذا هو كموقف مونرو ضد حلفائه الاعداء المستعمرين الاوروبيين.
إن ثروات افريقيا هائلة ومنه النفط حيث ان لديها احتياطات نفط كبيرة يسيل لها لعاب الاخ الاكبر للمستعمرين الغربيين! لقد جاء في تقرير الاهرام الدولية في 16/6/2007، ان مجلس الاتصال القومي الامريكي يتوقع بان ساحل غينيا سيقوم بامداد الولايات المتحدة بحوالي 24ـ25% من اجمالي وارداتها النفطية بحلول عام 2020. كما يتوقع مركز السياسة الدولية الافريقية بأن ارباح بترول ساحل غينيا ستبلغ ترليون دولار بحلول 2020 اذا ظل سعر البرميل اعلى من 50 دولارا. وغينيا اكبر مصدر في العالم للمادة الخامة "بوكسيت" التى يصنع منها الالمنيوم، وموقعها استراتيجي على المحيط الاطلسي فيكون نقل الطاقة من هناك الى امريكا بسرعة وبأمان اكثر امنا من منطقة الشرق الاوسط المهددة بالسقوط بيد أهلها المسلمين من يد امريكا والغرب المستعمرين، وبكلفة رخيصة حيث ان المسافة تعد نسبيا قريبة الى امريكا، وهي مرشحة لنقل بترول كثير من الدول الافريقية في المستقبل من خليجها اذا سيطرت امريكا على المنطقة

No comments: